المادة ، وهو بالمآل ينهي إلى نكران التجردية الإلهية.
وجواب ثان عن (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) :
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ)(٩) :
فإضافة إلى أن نزول الملك عليهم أو على الرسل بحيث يرونهم ليس إلّا عند قضاء الأمر ، وانه لا يناسب المرسل إليهم البشر ف (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (١٧ : ٩٥).
فلو تخطينا أمثال هذه الموانع في نزول ملك رسول أو ملك مع الرسول يرونه ، (لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) حتى يروه ويسمعوه ، فعادت المشكلة المزعومة لهم حيث يرونه رجلا وهو ملك فلا ينتفعون بكونه ملكا (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ) بملك في صورة رجل «ما يلبسون» على أنفسهم.
وهذه قاعدة مطردة عادلة ان الله يلبس على الإنسان ما هو يلبسه. فلما لبس هؤلاء المكذبون لآيات ربهم طور الرسالة الربانية على أنفسهم ، فقد يلبس الله عليهم ـ لو حقق ما اقترحوه ـ ان يجعله رجلا ، عودا لمشكلتهم كما كانت ، كما وهي طبيعة الحال في رؤية الملائكة لمن ليست لهم عيون تقدر على رؤيتهم بصورهم الأصلية ، ثم «رجلا» هنا ـ بأحرى من (رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) في سواها ـ دليل انحصار الرسالة في الرجال دون النساء ، وفيه لمحة اختصاص القيادات روحية وزمنية ، شاملة أماهيه في قبيل الرجال.
ذلك ولقد نزلت هذه الآية لما احتج المشركون على الرسول (ص) فقال : «اللهم أنت السامع لكل صوت والعاصم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك ...» (١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٠٤ عن الإحتجاج للطبرسي عن أبي محمد الحسن العسكري