«قل» لهؤلاء الأغفال «لمن» ملكا وملكا (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهما الكون المخلوق كله ، ولأن الجواب باهر حيث المسؤولون مصدقون بوجود الله مهما كانوا به مشركين ف «قل لله» وكما (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٣١ : ٢٥) ـ (... لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (٤٣ : ٩) ـ (... فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٨٧).
هؤلاء المجاهيل الأقدمون كانوا يعترفون بالربوبية العليا وإن لم يكونوا يرتبون عليها نتائجها المنطقية بإفراد الله في هذه الربوبية دون إشراك ، فتلك الجاهلية ـ إذا ـ لها الشرف على الجاهلية المادية المتحضرة ـ المسماة بالعلمية ـ حيث تنكر حقيقة الربوبية عن بكرتها ، حيث تغلق على فطرتها وعقليتها دروبهما دون رؤية الحقيقة الكبرى!.
ذلك ومن مخلفات (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أنه ذو رحمة واسعة ، وقد (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) كتابة الفرض والتحقيق إضافة إلى واقعية الكون كله التي هي من واسع رحمته.
ولقد كررت كتابة الرحمة بكل حلقاتها في القرآن مرارا ، هنا مرتان أخراهما (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤) وثالثة مصرّحة بتحقيق كتابة الرحمة : (... قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ)(٧ : ١٥٦).
وتلك الرحمة الربانية الواسعة كلّ شيء ، المحلّقة عليها ، هي مكتوبة وعدا وتحقيقا للمتقين ، ومن رحمته الشاملة (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) وهو رحمة في حلقات : رحمة لنا في هذه الأدنى أن نروضها بالتقوى ونرفض فيها الطغوى خوفة من الأخرى وطمعا فيها ، ورحمة لنا أخرى أن احتمالة الحياة الحساب تكسر من ثورة الطغيان عن أهله ، وثالثة