(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٥٤) :
(الَّذِينَ آمَنُوا) هنا يعم كل من أقر بلسانه ولمّا يدخل الايمان في قلبه ، أم دخل ولمّا يتم في عمله ، أم هو منافق كافر بقلبه مقر بلسانه أم وبعمله ، فالارتداد عن الدين هنا يشمل مثلثه ، بل الذي يرتد عن إقرار دون إيمان هو أظهر مصاديق المرتدين عن الدين وأكثرهم حيث المؤمن بقلبه ليس ليرتد عن دينه اللهم إلّا شذرا نزرا بشبهة دخلت في قلبه قد تعذره عن ارتداده.
ثم ومن الارتداد هنا المسارعة إلى اليهود والنصارى بعاذرة (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) أمّا أشبه أم دون أية عاذرة ، فالمحور المعني من الارتداد هنا ليس هو الردة الجاهرة مهما كانت معنية ضمنيا ، بل هي الردة المعنية من موالاة اليهود والنصارى مسارعة فيهم ، مهما كانت الجاهرة أردى وأنكى.
إذا فهي ـ بصورة طليقة ـ الردة عن الإسلام المحض الشاملة كأصل لتلك الموالاة ، دون محض الإسلام الخاص بالمرتدين الرسميين عن الإسلام.
(مَنْ يَرْتَدَّ ... فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ ..) تهديد شديد بالمرتدين عن الدين ألّا حاجة لله فيهم ولا كرامة ، وبشارة للصامدين على الدين أنه «سوف (يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ) لهم مواصفاتهم المسرودة هنا ، يستبدلهم بهؤلاء المرتدين ، عزا للدين والدينين.
هنا (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ) تلمح صارحة صارخة أن هؤلاء الموصوفين لمّا يأت بهم الله عند ذلك الخطاب ، أم ولا يأتي بهم عاجلا ، ولا آجلا قريبا