وترى كيف أصبح كذبهم على أنفسهم هناك فتنتهم؟ لأن الفتنة هو إخلاص الحق عن شوب الباطل كما تفتتن الذهب الخليط لتصبح من الخليص ، فهم لم يكن لهم إخلاص لأنفسهم في ذلك الموقف الحاسم إلّا كذبهم على أنفسهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فالحقيقة التي تجلت عنها وتبلورت فيها «فتنتهم» هي تخليهم عن ماضي شركهم كله وإقرارهم بربوبية الله الوحيدة غير الوهيدة ، ولكن قد فات الأوان!.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٢٥) :
هذه مع (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) هما صفحتان متقابلتان من صحيفتي الأولى والأخرى ، يرتسم في أولاهما العناد والإعراض وفي أخراها الندم والحسرة ، يرسمها القرآن الآن ، خطابا للفطر الجاسية هزّا لها تساقطا للركام الذي ران عليها ، علّ مغاليقها الصّلدة تنفتح وتفيء إلى تدبر هذا القرآن قبل فوات الأوان.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) دون تدبر وتذكر ، فإن «إلى» هنا لامحة إلى ظاهر الاستماع دون واقعة ، حيث الاستماع الحق متعد بنفسه ك (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (٣٩ : ١٨) و «(إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ
__________________
ـ طويل يذكر فيه احوال يوم القيامة وفيه : ثم يجتمعون في مواطن أخر فيستنطقون فيه فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ، وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلم ينفعهم إيمانهم بالله تعالى لمخالفتهم رسله وشكهم فيما أتوا به عن ربهم ونقضهم عهدهم في أوصيائهم واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير فكذبهم الله فيما انتحلوه من الايمان بقوله : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ).
وفيه عن تفسير القمي وروضة الكافي عن الصادقين عليهم السلام في الآية قال : يعنون بولاية علي (ع).