فلم تكن غلف قلوبهم بداية من الله حتى يحتجوا ، إنما هو لعن من الله بكفرهم أن أزاغ الله قلوبهم لما زاغوا.
ولأن ثالوث وقر الآذان وغشاوة الأعين وأكنة القلوب ، سدت عليهم منافذ الدرك إنسانيا مهما أدركوا دركات الحيوانية النحسة ، لذلك :
(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) رؤية بالبصر أو بالبصيرة (لا يُؤْمِنُوا بِها) لمكان مضاعف الوقر والكنّ والغشاوة (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) كأبي جهل وأضرابه من آباء الجهالات (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
فهم لا يجيئونك مفتوحي الأعين والآذان والقلوب ليتدبروا ما تقوله من وحي ربك ، ولكن ليجادلوك التماسا لأسباب الرد والتكذيب ، والتحريف والتجديف ، ومنها (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وأباطيلهم وخرافاتهم التي سطروها : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢٥ : ٦).
فمعالم السر في السماوات والأرض التي يحويها القرآن العظيم ، فضلا عن معالم الواقع العلن ، تدل أصحاب السّر الرباني والعلن أن لن يكون القرآن من منتوجات التعقلات والتفلسفات البشرية ، فضلا عن أساطير الأولين.
فقضية وحي القرآن هي من القضايا التي قياساتها معها ، دون حاجة له إلى برهان سوى نفسه : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢٩ : ٥١) ذلك! :