(وَلَوْ تَرى) يا رسول الهدى (إِذْ وُقِفُوا) هؤلاء الناهون عنه والنائون عنه (عَلَى النَّارِ) التي أججوها على القرآن ورسالتك القرآنية ، بروزا لملكوتها يوم الدين «فقالوا» لما رأوها متندمين متحسرين (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) إلى حياة التكليف ثم (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وترى (وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) تعني وقوفهم عندها؟ وعبارته الصالحة «وقفوا عند النار»! أم وقوفهم في جوف النار؟ وعبارته «وقفوا» ـ أو ـ «ادخلوا في النار»! أم وقوفهم فوق النار؟ وعبارتهم عبارته! أم وقوفهم على حقيقة النار تعريفا بها لهم عريفا عريقا دخلوها أو لما؟ وهو الصالح لعناية (وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) مهما عنيت معه المعاني الأخرى جمعا بين الوقوفات.
(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(٢٨) :
«بل» لا طائل تحت قول قائلهم (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ ..) «بل» خلاف ما يدعون أنهم لم يكونوا مشركين ، وخلاف (ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) الموت من عبادتهم وأعمال دون ذلك «بل» لا يريدون الرجوع إذ يعلمون من أنفسهم استمرارية الكفر ، فانما خوفهم من النار التي وقفوا عليها مناهم ذلك التمني كاعتذار.
وجملته انهم كانوا مفترين على الله مكذبين بآيات الله مهما كانوا يظهرون واجهة من الايمان وآمن من أهل الإيمان ، يخفون في زعمهم الكفر مظهرين أنه إيمان!.
ولأن الإخفاء هنا هو طليقه عارفين وغير عارفين ، فمنه إخفاء النار التي كانوا يؤججونها يوم الدنيا وبصرهم عنها كليل ، وهناك (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢) ـ (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤٥ : ٣٣).