إن بين الرجعتين لبونا شاسعا ، فالرجعة الكائنة هي قبل يوم القيامة ، وهي ليست لاستدراك الطالحات بالصالحات التي أحيلت و (لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) وأما الصالحون من الراجعين فهي لهم حظوة ونصرة للقائم عليه السلام.
فالمنفي ـ كلمة واحدة ـ من الرجعة في حياة التكليف هي التي يظن الراجع أو يدعي بقوله : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) حيث الجواب (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)(٣٥ : ٣٧) ـ (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٢٣ : ١٠٠).
والمثبت كما في لمحات أو تصريحات لآيات هو رجوع من مّحض الإيمان محضا ومن محض الكفر محضا ، رجعة مفروضة ، أو المتوسطين في الإيمان وهو رجعة بالاستدعاء ، والمرفوضة هي رجعة المتطلبين إياها استدراكا لما كفروا ، سواء أكانت من البرزخ كما في آيات ، أم من القيامة كما في أخرى وهذه منها.
ذلك ، ومن ثمّ استحالة أخرى للرجعة من القيامة إلى الدنيا حتى للصالحين ، أن قضيتها تحوّل الآخرة إلى الدنيا رجوع القهقرى.
وترى كيف (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) والتمني إنشاء وليس إخبارا ، فقد تمنوا أن لو ردوا لم يكذبوا ويكونوا من المؤمنين؟ ولكنه إنشاء يتضمن الإخبار ، فإن تمني أمر ليس إلّا التصميم عليه إن فسح المجال ، ولكنهم كاذبون في تمنيهم الكذب «وانهم ملعونون في الأصل» (١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧١٠ عن تفسير العياشي عن خالد عن أبي عبد الله (ع) في الآية : أنهم ..