صحيح أن المسلكين مشتركان في نكران المعاد ، وبذلك هما مشتركان في نحوسة العقيدة ويبوستها ، ولكن الأكثرية الساحقة ـ في ثاني المسلكين في الطول التأريخي ـ التي جعلت مصب التنديد والاعتراض في كثير من الآيات هم المشركون.
أو يقال إن الإشراك بالله مع الاعتراف به هو ـ في واجهة ـ أنحس من نكران وجود الله ، لأنه تسوية بين الله وخلقه ، بل وتفضيل له عليه تعالى في واقع الحياة العقيدية والعملية ، مهما كان نكران جوده تعالى أنحس من واجهة أخرى.
ذلك ، وفي الحق إن تصور اختصاص الحياة بهذه القصيرة الدانية ، يستحيل أن تنشأ في ظله حياة إنسانية رفيعة كريمة.
فهذه الآفاق الضيقة في كل آمادها وأبعادها ـ هنا ـ التي تلصق الإنسان وتخلده إلى الأرض ، اختصاصا لتصوره بالمحسوس منها كالبهيمة المربوطة همها علفها أو المرسلة شغلها تقممها ، وهذه الرقعة الأرضية الضيقة زمانا ومكانا التي تطلق السّعار البهيمي في النفس والتكالب على المتع المحدودة والعبودية لها ، كما تطلق الشهوات من عقالها تعربد وحدها بلا كابح ولا هدنة ولا أمل في تعريض ، وهذه الأنظمة المادية الحيوانية التي تنشأ في الأرض منظورا فيها إلى هذه الحياة القصيرة القاصرة الحيوانية ، بتصارع الطبقات والأجناس ، انطلاقا في الغابة كالوحوش والغيلان كما نشهده اليوم في الحياة الراقية المتحضرة للجاهلية الحاضرة.
هذه وتلك كان الله يعلمها كلها ، ولذلك يؤكد مرارا وتكرارا على مستقبل الحياة الخالدة للإنسان وكافة المكلفين ليأخذوا حذرهم عن الحياة الدنيا ومتاعهم منها للأخرى.
هذه واجهتهم الجاهلة القاحلة في حياة الغفلة والنشوز ، ومن ثم