معرفته ، واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم الآيات المقدرة ، من سقف مرفوع ، ومهاد تحتهم موضوع ، ومعايش تحييهم ، وآجال تفنيهم ، وأوصاب تهرمهم ، واحداث تتابع عليهم ، ولم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجة لازمة ، أو محجة قائمة ، رسل لا تقصر بهم قلة عددهم ، ولا كثرة المكذبين لهم ، من سابق سمي له من بعده ، أو غابر عرفه من قبله ـ
على ذلك نسلت القرون ، ومضت الدهور ، وسلفت الآباء ، وخلفت الأبناء ، إلى أن بعث الله سبحانه محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لإنجاز عدته ، وتمام نبوته ، مأخوذا على النبيين ميثاقه ، مشهورة سماته ، كريما ميلاده ..» (الخطبة ١).
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٣٦).
والخلود ـ كما مر مرارا ويمر ـ هو البقاء مدة طائلة ، دون غائلة الأبدية اللانهائية التي افتريت على الله بتعليلات عليلة ، وهل العقوبة اللانهائية هي جزاء وفاق للعصيان المحدود لزمن محدود بأثر محدود؟ : ـ
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ)(٣٧).
فممن افترى على الله كذبا وكذب بآياته هؤلاء الذين يؤبّدون المكذبين بآيات الله المستكبرين عنها ، أبد اللّانهاية ، فهم ـ إذا ـ معهم فيما يزعمون ، اللهم إلّا القاصرين منهم التابعين للقائلين به الغائلين.
(أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) قبل الموت ، لمكان (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ..) فما هو ذلك الكتاب؟ إنه بطبيعة الحال كتاب