والتوفي هو الأخذ وافيا دون تفلّت لشيء من كيان الإنسان ، المفروض حشره للحساب نفسا وبدنا : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ. قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(٣٢ : ١١).
ومن مقالهم معهم (قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أنهم آلهة مع الله ، دلونا عليهم لنراهم ما هم ومن هم؟ (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) ضلالا عن كيان الألوهية ، لا عن كونها كسائر الكائنات حيث تحشر حاسرة عما تلبّست من كبرياء الألوهية : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ. وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (١٦ : ٨٨) ـ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ. قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (٢٥ : ١٨).
ذلك ، وقد تعني «ضلوا عنا» إلى ما عنت ، ضلالا عند الموت ، ثم «إذا رأى» رؤية عند الحشر ، وعلى أية حال (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).
(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ)(٣٨).
هنا (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ ..) دون فصل عن «يتوفونهم» ـ بقالتهم المؤنبة إياهم ـ دليل أن «النار» هنا هي البرزخية ، ثم (إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) قد تلمح أنها نار الآخرة ، حيث الجمع لأهل النار في النار ليس إلا فيها ، وأما النار البرزخية فهم يدخلونها تباعا حتى قيامة الإماتة الصعقة ، فقد لا يكون للأحياء عندها برزخ؟!.