فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢) ـ (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) (٢١ : ٩٧).
أجل و (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (٣٨ : ٦٤) ثالوث من التخاصم بسالوس الإضلال والضلال والإدغال ، فقد يخاصم المضلّلون مضلّليهم وعكسا ، كما يخاصم كلّ منهم قرينه في الضلال والتضليل ، واللعنة الأممية هي ضابطة اللعنة الثابتة «أمة» بمن فيها من المضلّلين والمضلّلين والقرناء في كل منهما ، فكل لاحقة تلعن أختها السابقة عليها ، ولأنها لحقتها في ضلالها ، إذ كانت تقلدها وتتبع آثارها ، ولعنت أختها اللاحقة بها ، سواء أكانت أختها مضلّلة لها أم مضلّلة بها ، حيث الأخوة فى الكفر لا تعرف دركة دون أخرى ولا زمنا دون آخر.
ثم «أمة» هنا هي أمة الموت ، وقد تعنيها (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) ولكنها أمة الضلالة ، وتقابل أمة الهدى.
ولماذا (ادَّارَكُوا فِيها) دون «دخلوا ـ أو حضروا»؟ حيث القصد إلى تداركهم فيها بحساب واستحقاق ، وإدراكهم بعضهم بعضا ظاهرا وباطنا ، وعندئذ :
(قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) حيث اللاحقة هي تابعة السابقة ، أم ـ كأوضح ـ أخراهم في الضلالة التابعة لأولاهم فيها وهم أئمة الجور (١) ، فالفريقان ـ إذا ـ هما المتعايشان إن في زمن واحد أم عديد ، فهما على أية حال المضلّلون باتّباعهم للمضللين ، سواء أكان في تعايش زمني ، أم في تقليد أخراهم لأولاهم دون تعايش حيث يضلّلون بآثارهم.
وبصيغة أخرى قد تعني «أخراهم» وجاه «أولاهم» كل أخرى لكل أولى ، في سلسلة متواصلة بحقول الإضلال والضلال ، أم «أخراهم» هم المضلّلون و «أولاهم» المضلّلون فإنهم الأولى في حقل الضلال وأولئك هم الأخرى ، مع كون كلّ من الأخرى هي أيضا أولى لمن يضلله.
إذا فالقصد من (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) هو قيلة كل أمة مضلّلة لكل
__________________
(١) تفسير البرهان ٢ : ١٤ ـ الطبرسي قال الصادق (عليه السّلام) في الآية يعني أئمة الجور.