فنزلت : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) (١١ : ١٢) (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (١٥ : ٩٨) (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (٢٧ : ٧٠).
وفي الحق إن ذلك الحرج هو حجر عثرة لكل داعية إلّا من عصمه الله وهداه ، وقد أمر هذا الرسول العظيم بالصبر : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (١٦ : ١٢٧) والاستقامة (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) (١١ : ١١٢).
فهذا (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) فاشدد شمرك ، وتغاضّ عن إمرك في أمرك ، فلا يمنعك عنه أي مانع ، ولا يفت عضدك في صراعه أي رادع ، سر فعين الله يرعاك.
ذلك كما و (المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) مما يلمح أن «المص» تحمل ـ فيما تحمل ـ طمأنة لخاطر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن دعوته ماشية ماضية مهما كثرت العراقيل أمامها.
إذا ف «المص» وهذا القرآن (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من ربك» الذي رباك بالقمة الرسالية ، فلم يكن ليدعك وحدك تتواتر عليك الرزايا التي ترضّك ، فالله ربك هو الذي ينصرك ويرضيك ويوهن مناوئيك.
«كتاب أنزل إليك .. لتنذر به وذكرى ـ فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى» فإنما هو الإنذار بالقرآن دون سواه ، حقا لرسول القرآن ، إنذارا بثابت الوحي الرباني.
فلا تجوز الدعوة الربانية إلا بعلم الوحي دون سائر العلم ، وذلك طليق للرسل وسائر المعصومين ، وهو قدر المستطاع لمن سواهم.
ذلك ، فليس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده هو صاحب