المسؤولية في هذا الميدان ، وإنما هو المسؤول الأول ما كان حيا ، ثم الذين يحملون رسالته إلى يوم الدين ، طول الزمان وعرض المكان ، فإن الإسلام ليس حدثا تأريخيا حصل مرة ثم مضى ، بل هو ـ قضية خلوده على مدار الزمن ـ مواجهة دائبة للمكلفين أيّا كانوا وأيان إلى يوم الدين ، وعلى حملة هذه الرسالة ـ معصومين وسواهم ـ مواصلة الدعوة الصابرة الصامدة أمام كافة الجاهليات ، غابرة متأخرة ، وحاضرة متحضرة ، حركة متواصلة وسبحا طويلا لاستنقاذ البشرية من مستنقعات الجاهلية الجهلاء : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ..) (٢٩ : ٤٨).
ولقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء ذلك الدين المتين ، وانتكست البشرية إلى جاهلية هي أعرق وأحمق من الجاهلية الأولى ، حيث شملت كل جوانب الحياة دون إبقاء ، فإنها جاهلية علمية علمانية متحضرة تخيّل إلى المجاهيل أنها تقدّمية بيضاء ، رغم أنها رجعية سوداء ، ضاربة أطنابها في كل أرجاء الأرض بكل جنبات الحياة ، فلا بد من كفاح صارم قدر المستطاع ، وبقدر ما اتسعت هذه الجاهلية في وجه الشرعة القرآنية بين أغارب وأقارب.
ولقد تكفي الدعوة القرآنية صدا لكل الهجمات الجاهلية بكل معداتها المتحضرة فانه كتاب الخلود : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ..)؟.
ذلك ، وهنا حرج آخر داخل في النهي هو الحرج عما أنزل إليه إذا كان باطلا أم خليطا من الحق والباطل ، ولأنه (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من ربك ، تأكيدا جاهرا أمام العالمين لكي يعلموا على علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كتاب لا يحرّج الدعية في الدعوة.
فعصمة الداعية إلى عصمة مادة الدعوة هما يعصمانه عن أي خطأ قصورا أو تقصيرا ، ثم عصمة الداعية عن أي تقصير ، على عدم عصمته عن قصور غير مقصر ، تعصمه عن كثير من الأخطاء.