فأما إذا كانت مادة الدعوة غير معصومة ، أم هي معصومة والداعية مقصر أو قاصر بتقصير ، فهنا لك الطامة الكبرى ، ولذلك نرى تأكيد الأمر بالشورى من الرعيل الأعلى لربانيّ الأمة : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) حتى يجبروا عدم العصمة للدعات غير المعصومين ، وهنا «للمصيب أجران وللمخطئ أجروا حد» إذا كان خطأ قضية عدم العصمة فقط ، دون الخطأ القاصر عن تقصير.
ففي مثلث الحرج لا يعنى منه حرج صدره من الوحي ، بل هو حرج في الدعوة تأثيرا ، ولها مادة ، فإن مادة الدعوة معصومة ، والداعية في دعوته على عين الله ورعايته.
ثم المسؤولية في حقل الدعوة القرآنية نذارة وذكرى ، ليست ـ فحسب ـ على عواتق الدعاة ، والمدعوون عليهم مسئولية الإقبال والتقبل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ـ إذا ف :
(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(٣)
هنا (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أنت كداعية ، بعد ما يصنعك الكتاب كأفضل صنع في محط الدعوة ، وهنا (ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) كمدعوين ، ونازل الكتاب بنفسه في أيّ من منازله ، هو بنفسه حجة لربانيته مصدرا وصدورا ، للداعية والمدعوين به ، حجة بالغة بنفسه دون حاجة إلى إثباتات أخرى وتأييدات ، فانه رأس زوايا الحجج الربانية على مدار الرسالات بأسرها.
فقضية إتباع الله ـ الأولى ـ هي إتباع ما أنزل إليكم من ربكم ، توحيدا عمليا بعد العقيدي منه.
وهنا «من دونه» قد تعني مع من دون الكتاب من دون الله ، لمكان «أولياء» فاتبعوا الرب فيما أنزله ولا تتبعوا من دون الرب ربا ، ولا من دون ما أنزله نازلا ، من أولياء غير الله وغير كتاب الله.