وفي تقدم «الماء» على (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ذكرا تقدم له على سائر رزق الله واقعا حيويا فللماء دور دائر في الحياة ليس لسائر رزق الله ، وقد قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (٢١ : ٣٠) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل الصدقة سقي الماء» (١).
ذلك ، ولأن الغرور هو إظهار النصح واستبطان الغش وهما من فعل المختار ، فتراه كيف ينسب إلى الحياة الدنيا وليست هي مختارة؟ والجواب أن الحياة الدنيا هي حياة الإنسان فيها دون نفسها ، فالغرور ـ إذا ـ هو من فعل الإنسان حيث ينظر إلى الدنيا فينغر بها ، ولا ينظر بها فيبصّر ، فالحياة الدنيا هي بطبيعها حياة الغرور : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (٥٧ : ٢٠).
ثم النسيان من الله هو تناسي العارف وكما هم تناسوا عارفين ، فلقد تناسوا لقاء يومهم هذا عارفين ، فالله يتناساهم عن رحمته عارفا فلا يفيض عليهم منها إلّا عذابا مهينا.
__________________
ـ قد ظفر به فقال : الله أكبر اذهب إليه فقل له : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟ فقال أبو جعفر (عليه السّلام) : هم في النار أشغل ولم يشتغلوا عن أن قالوا : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ، فسكت هشام لا يرجع كلاما.
وفيه في تفسير العياشي عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «إن أهل النار يموتون عطاشا ويدخلون قبورهم عطاشا ويدخلون جهنم عطاشا فترفع لهم قراباتهم من الجنة فيقولون : أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ».
(١) الدر المنثور ٣ : ٨٩٠ عن ابن عباس انه سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : .. ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله.