و «دينهم» كما لمّحنا تعم الدين الحق فطريا وعقليا وشرعيا حيث اتخذوه لهوا يعرضون عنه ، ولعبا يلعبون به ويستهزءون ، والدين الباطل وهو الشهوة المطاعة ، توغلا في اللهو واللعب : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٦ : ٧٠).
وهكذا (حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) (٣٤ : ٥٤) فمهما كانت المشتهيات مشتركة بين قبيلي الإيمان والكفر يوم الدنيا فهي خاصة بالمؤمنين يوم الدين : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ ، الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٧ : ٣٢).
وحقا أقول : «ما الدنيا غرتك ، ولكن بها اغتررت ، ولقد كاشفتك العضات ، وآذنتك على سواء ، ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك ، والنقص في قوتك ، أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك ، ولرب ناصح لها عندك متهم ، وصادق من خبرها مكذب ، ولئن تعرفتها في الديار الخاوية ، والربوع الخالية ، لتجدنها من حسن تذكيرك ، وبلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك ، والشحيح بك ، ولنعم دار من لم يرض بها دارا ، ومحل من لم يوطنها محلا ، وإن السعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم» (الخطبة ٢١٤).
ف يا أيها الإنسان ما جرّأك على ذنبك ، وما غرّك بربك ، وما آنسك بهلكة نفسك ، أما من داءك بلول ، أم ليس من نومك يقظة ، أما ترحم من نفسك ما ترحم به غيرك ، فلربّما ترى الضاحي من حر الشمس فتظله ، أو ترى المبتلى بألم يمضّ جسده فتبكي رحمة له ، فما صبّرك على داءك ، وجلّدك بمصابك ، وعزّاك عن البكاء على نفسك وهي أعز الأنفس عليك ، وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة وقد تورطت بمعاصيه