مدارج سطواته ، فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، ومن كبرى الغفلة في ناظرك بيقظة ، وكن لله مطيعا ، وبذكره آنسا ، وتمثل في حال توليّك عنه إقباله عليك يدعوك إلى عفوه ، ويتغمدك بفضله ، وأنت متولّ عنه إلى غيره ـ
فتعالى من قوي ما أكرمه ، وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته ، وأنت في كنف ستره مقيم ، وفي سعة فضله متقلب ، فلم يمنعك فضله ، ولم يهتك عنك ستره ، بل لم تخل من لطفه مطرف عين في نعمة يحدثها لك ، أو سيئة يسترها عليك ، أو بلية يصرفها عنك ، فما ظنك به لو أطعته ، وأيم الله لو أن هذه الصفة كانت في متفقين في القوة ، متوازنين في القدرة ، لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ومساوئ الأعمال ـ
إذا فكونوا عن الدنيا نزّاها ، وإلى الآخرة ولّاها ، ولا تضعوا من رفعته التقوى ، ولا ترفعوا من رفعته الدنيا ، ولا تشيموا بارقها ، ولا تسمعوا ناطقها ، ولا تجيبوا ناعقها ، ولا تستضيئوا بإشراقها ، ولا تفتنوا بإعلاقها ، فان برقها خالب ، ونطقها كاذب ، وأموالها محروبة ، وأعلاقها مسلوبة ، ألا وهي المتصدية العنون ، والجامحة الحرون ، والمائنة الخؤن ، والجحود الكنود ، والعنود الصدود ، والحيود المنود ، حالها انتقال ، ووطأتها زلزال ، وعزها ذل ، وجدها هزل ، وعلوها سفل ، دار حرب وسلب ، ونهب وعطب ، أهلها على ساق وسياق ، ولحاق وفراق ، قد تحرت مذاهبها ، وأعجزت مهاربها ، وخابت مطالبها ، فأسلمتهم المعاقل ، ولفظتهم المنازل ، وأعيتهم المحاول ، فمن ناج معقور ، ولحم مجزور ، وشلو مذبوح ، ودم مسفوح ، وغاضّ على يديه ، وصافق بكفيه ، ومرتفق بخديه ، وزار على رأيه ، وراجع عن عزمه ، وقد أدبرت الحيلة ، وأقبلت الغيلة ، ولات حين مناص ، هيهات هيهات قد فات ما فات ، وذهب ما ذهب ، ومضيت الدنيا لحال بالها (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (الخطبة ٢٣٣).
(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ