يُؤْمِنُونَ)(٥٢).
لقد تمت الحجة عليهم يوم الدنيا إذ «جئناهم» بجمعية صفات الهدى «بكتاب» : قرآن «فصلناه» تفصيلا لكل شيء «على علم» منّا رباني يحلق على كل شيء ، حالكون الكتاب (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وهم أولئك الذين حالتهم حالة الإيمان بالحق المرام وان كانوا لمّا يؤمنوا حيث لم تصلهم دلائل الإيمان ، فهم مؤمنون فطريا وعقليا ، وهم ناظرون دلائل كامل الإيمان شرعيا ، (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ).
ذلك ، وهنا «لقد جئناهم» إضافة إلى ما فيها من مثلث التأكيدات بحر في التأكيد وجمعية الصفات ، نجد في مفعولية «هم» ل «جئنا» تقديرا للجار ، كأنه سبحانه جاء إليهم «بكتاب» والباء قد تعني كلا المعية والسببية : جئنا إليهم بسبب الكتاب ، ومصاحبين الكتاب ، ومثلها : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (٢٥ : ٣٣) ـ و (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (٤٣ : ٧٨).
فلقد كان في نزول القرآن مجيئا لرب العالمين إلى كافة المكلفين حيث يدل بنفسه على الله بتوحيده وصفاته وأفعاله ، وكأنه جاءهم بنفسه.
فلو أنه أراهم نفسه لم يزدهم معرفة على ما عرفهم إياه بكتابه ، ولذلك أصبح شاهدا لنفسه ربا ، ولرسوله رسالة ، ولكل ما أراده منهم دلالة باهرة جاهرة : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..) (٢٩ : ٥٢) (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٤ : ١٦٦). (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (١٣ : ٤٣) (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (١٧ : ٩٦).
ذلك ، فقد يزيل القرآن كل حجاب بيننا وبين ربنا معرفيا إلا