المستحيل زواله وهو حجاب الذات وحقيقة الأفعال والصفات ، فلم يبق في الدور إلّا ذلك المثلث الذي ليس ليزول على أية حال!.
ذلك ، ثم (فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) تفصيلا يزيل كافة الغشاوات عن وجه الحق المرام ، فلا خفاء لما فصله ، حيث فصله «على علم» بتفصيله ، وعلم بالمكلفين ، وعلم بتصاريف الكلام ، وعلم بالحق المرام وما يحتاجه الأنام (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)!.
فهل يفترى بعد على الله أنه أغمض في كتابه ، وأعضل فيه لحد لا يفهم إلّا بالحديث ، (فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
ف «قوم يؤمنون» هم الذين يعرفون تفصيله ، استنباطا لمرادات الله ، من منشور ولاية الله كما أمر الله ، فانه السبب الوحيد الوطيد ، الوتيد على أعماق الفطر والعقول والقلوب ، وذلك لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فكما أن معادن كتاب التكوين مختلفة الوصول إليها والحصول عليها حسب اختلاف المساعي ، كذلك كتاب التدوين ، فإن لكلّ من حقائقه المخزونة قدر سعيه ووعيه ، دونما بخل وعضل في دلالة الكتاب نفسه على ما يرام.
فالبخيل ـ إذا ـ هو الذي جعله مهجورا فمحجوزا ، يتكلم ضده أنه ليس ليفهم إلا بوسائل هي مغيّبة في زمن التكليف إلّا قليلا!.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٥٣).
«هل ينظرون» هؤلاء الكفار وينتظرون بعد كتاب مفصل على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ، ينتظرون حجة أخرى بعده وهو الحجة البالغة الربانية بنوره وهداه ورحمته ، وفيه الكفاءة لمن يتحرى عن الهدى ، فاتحا منافذ إدراكه لتلقى الحق المرام.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) إذ لم يبق انتظار بعد كامل حجته وشاملها