إلّا تأويله ، وليس العلم بتأويل القرآن شرطا لبالغ حجته ، فإن فيه الكفاءة التامة الطامة : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٣٠ : ٥٢).
ذلك ، والتأويل في الأصل هو الإرجاع إلى مبدء أو منتهى خارجين عن نص المأوّل وظاهره ، وللقرآن تأويلان اثنان ، تأويل المبدء وتأويل المعاد ، وهو بين المبدء والمعاد حجة بظاهره وباطنه في إشارات ولطائف وحقائق يمكن الحصول عليها بحجته الظاهرة الباهرة ، فتأويل المبدء هو المأخذ في أصل القرآن وفصله أحكاما وإنباءات أخرى ، وتأويل المعاد هو واقع الأنباء المسرودة فيه ، والتأويل المنتظر هنا هو الآتي في البرزخ برزخا وفي المعاد واقعا مفصلا دون إبقاء ، أم وتأويل علمي مبدء حيث يظهر بعد الموت ما يمكن أن يظهر ، وكذلك تأويل الأعمال ظهورا بحقائقها ، ثم تأوّلا إلى جزاءها الوفاق.
وفي رجعة أخرى إلى الآيتين «هل ينظرون» تجتث كافة الانتظارات من كافة المنتظرات في حقل الحجج الربانية بعد نزول الحجة البالغة القرآنية ، اللهم إلا انتظار المستحيل بحقهم وهو «تأويله» حيث ينقسم إلى مستحيل بحق الكلّ كالتأويل الخاص بالله ، والمستحيل بحق غير الراسخين في العلم كمبادئ الأحكام ، فإن العلم بها يخصهم ، وهم المستنبطون منها السنة على هامش الكتاب.
ذلك ، فكما من المنتظرات المستحيلة الذاتية (أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (٢ : ٢١٠) ـ والمستحيلة بحقهم (أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) (٦ : ١٥٨) قبل أجلهم.
كذلك (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) حيث المنتظر لهم بين مستحيل ذاتي كالتأويل الخاص بالله حيث يحرم عن علمه الأقربون فضلا عنهم ، ومستحيل نسبي وقتي كالتأويل الخاص بأقرب المقربين في دور التكليف.