فانتظار معرفة التأويل مبدء ومعادا كواقع الحجة الطليقة ، بعد حجة القرآن البالغة ، هو انتظار قاحل جاهل ، فواقع التأويل للقرآن وعلمه قبل الموت ، ليس واقعا لهم أولاء إذ تمت الحجة البالغة الدامغة بالقرآن ف (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ..)؟.
ولم يأت التأويل في القرآن إلا بمعنى الأول الرجوع لمتوسط الحق قرآنا وسواه ، إلى مبدءه ومنتهاه ، وكيف ينظرون تأويله وهم ـ بعد ـ لم يبلغوا إلى متوسط من تفهم ذلك الوسيط بين تأويليه؟!.
ثم للتأويل إجمال وتفصيل ، فإجماله معروف من ظاهره الحاضر لمن ألقي السمع وهو شهيد ، فقد يعرف من القرآن نفسه مبدءه وهو الله ، ومعاده وهو يوم الله ، وكما يعرف منه كافة الحقائق المقصودة في نشأة التكليف.
وتفصيله غير معروف إلّا لمن يحيط به علما ومعرفة يقينية بعين اليقين وحقه ، اللهم إلا ما اختص به الله من معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وسائر العلم المخصوص بساحته القدسية المتعالية ، وحجته البالغة الكافية هي وراء تأويله علميا وعينيا ، فإن دورهما آت بعد الموت ، اللهم إلا للمعصومين قدر ما قدره الله.
وقد يكفي للتصديق بأمر ، علم به ، دون حيطة شاملة كما نعرف الله ولا نحيط به علما (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (١٠ : ٣٩).
ف (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) تنديد بهم شديد أنهم ناظرون واقع نباء القرآن حتى يؤمنوا به وهو نبأ عظيم يدل على صدقه نفسه بكل بيناته الصادقة للذين يؤمنون.
و «هل ينظرون» هنا لمن ينتظر التأويل هو نظرة الانتظار ، ثم لمن لا ينتظر بشأنه أي شيء لا حاضرا ولا تأويلا هو واقع الانتظار ، حيث ينتظرهم تأويله مهما كانوا هم غير ناظريه ، وذلك كالذي كان لآل فرعون (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢٨ : ٨) فنظر الانتظار لهم