هُنالِكَ الْكافِرُونَ) (٤٠ : ٨٥).
وهكذا تأخذ السنة الإلهية من الظالمين دعواهم (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) حيث لم يكونوا ليعترفوا بظلمهم في غمرات الشهوات ، ويا له من موقف مذهل مرعب مرجف حيث أقصى الدعاوي فيه هو ذلك الاعتراف بالظلم.
ذلك ، وإن مصارع الغابرين المعروضة في مصارح الذكر الحكيم ، إنها خير منذر ومذكر ، والقرآن يستصحبها في المجالات المؤاتية لها كمؤثرات موحية ومطرقات موقظة للهائمين في ورطات الشهوات والغفلات.
هنا معرض الهلاك في الأولى ، وإذا بالسياق ينتقل وينقل معه السامعين إلى مشهد الآخرة ، شريطة موصولة المشاهد حيث تضم الآخرة إلى الأولى ، متخطية طول الزمان وعرض المكان ، وملحقة عذاب الأخرى إلى الأولى ، ولا ينبئك مثل خبير : تشهيرا بهم على الملإ الحاشد في ذلك اليوم المشهود الشاهد :
(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)(٦).
فالرسل والمرسل إليهم هناك مسئولون في موقف الاستجواب ، ولكن الرسل يسألون سؤال تقرير وتغرير وتعزير ، والمرسل إليهم يسألون سؤال تأنيب وتبكيت وتنكير ، اللهم إلّا من وفي لرعاية الحق منهم : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٥ : ٩٣) وهو سؤال استفحام دون استفهام.
فقد يسأل المرسلون ـ من الجنة والناس والملائكة ـ ماذا أجبتم : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٥ : ١٠٩) وكما يسألون عن تأدية رسالاتهم (١) ، ويسأل
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٦٨ ـ أخرج أحمد عن معاوية بن حيدة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إن ربي داعيّ وانه سائلي هل بلغت عبادي وإني قائل : رب إني ـ