ففي صيد الحيتان وأكلها يوم السبت ثالوث من المحظور فإنه عمل وصيد وأكل منه وكلها ممنوعة فيه ، وفي صيدها فيه ـ فقط ـ دون أكل محظوران اثنان ، ثم في سد طريقهادون صيد يومه ولا أكل محظور واحد ، ولكنه مع الثاني قد يكون أشد من ثالوثهم لمكان الحيلة على شرعة الله ، فرية وقحة على الله كأنه سن في شرعته حيلة وغيلة وهما من قضايا الجهالة والضعف!.
وهنا «إذ تأتيهم ..» دليل أنهم كانوا لا يصيدون يوم السبت لفترة ، ثم لما رأوا (تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) أخذوا يعدون في السبت في حقل هذه الثلاث.
أجل ، ولأن الحيتان كانت متعودة على حريتها يوم السبت ، لذلك جعلت تترائى لهم على الساحل ، كثيرة الورود ، قريبة المأخذ ، سهلة الصيد ، فكانت تفوتهم متنقلة من أيديهم يوم سبتهم وقطعهم الصيد فيه ، ثم (يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) وهو غير السبت من أيام الأسبوع «لا تأتيهم».
وتراها تشاورت في أمرها فعاكست إتيانها في معاكسة السبت مع سائر الأيام ، وذلك الترتيب الرتيب هو منقطع النظير في السواحل ، فليكن بخارقة ربانية إذ (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) نبلوهم بسبتهم يوم السبت ، وبسبت حيتانهم في غير السبت (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) بوفرة وكثرة شارعة هارعة إلى الساحل وكأنها تسخر من هؤلاء المسبوتين ، فلم يتحمل فريق منهم هذه السخرية فأخذوا يصطادون جهارا ، وراح آخرون يحتالون على السبت ، يقيمون الحواجز على الحيتان يخوّطون عليها يوم سبتهم حتى إذا جاء الأحد سارعوا إليها واصطادوها زاعمين أنهم لم يصطادوا في السبت إذ كانت في الماء وراء الحواجز غير مصيدة ، وقد يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك المضمار قوله : «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل» (١) فليست الحيلة لتغير واقع المحظور حين
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٣٩ ـ أخرج ابن بطة عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ..