(مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) فيما لا يؤثر أو نعلم ألا تأثير ، إذ لا نحيط علما بواقع الأمر. ثم (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) حين نحتمل التأثير أم أثر مهما نعلم ألا تأثير.
ومما يبين استقلال كل واحد من الأمرين (عُذْراً أَوْ نُذْراً) ف «عذرا» هو (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) و «نذرا» هو (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
ومما يبين أن ظاهر الحال ما كان يشير إلى احتمال التأثير قول هؤلاء لهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) فذلك التعبير القاطع يدل على أنه لم يكن هناك دور حاضر لاحتمال التأثير.
فإجابة عن حال عدم الاحتمال (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) وأخرى مشيرة إلى واقع الحال (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) فلا يطغون ، فلا دور هنا لترجي التقى إلّا فيما وراء الاحتمال الحاضر ، رعاية الواقع الذي هو أوسع من ظاهر الحال.
ومن عظيم فرض النهي عن السوء فيما لا يحتمل التأثير أن الله لم ينج من عذابه البئيس إلّا الذين ينهون عن السوء ، حيث شمل هؤلاء الذين لم ينهوا عن السوء هناك بل ونهوا الناهين عن السوء كأنهم أتوا بسوء!. وهكذا الساكتين عن كلا النهيين حيث يختص الإنجاء بالذين ينهون عن السوء :
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)(١٦٥).
فلما لم يجد النصح ولم تنفع العظة وسدر السادرون في غيهم حقت كلمة العذاب عليهم وتحققت نذره ، فإذا الذين كانوا ينهون عن السوء في نجوة من السوء ثم الآخرون أخذهم عذاب بئيس بما كانوا يفسقون ، اقترافا للفسق الأصيل ، أم تركا للنهي عنه ، فضلا عن نهي الناهين عن السوء «لم تعظون»؟.
ذلك ، ومما يلمح له ذلك العذاب البئيس أن الجهل بذلك الحكم غير معذور لأنه جهل مقصر من هؤلاء الذين عاشوا رسالة الله المذكرة إياهم بواجب الأمر والنهي وحدودهما ، أم أن العذاب موجه إلى الذين ظلوا على جهلهم جهالة بواجب النهي فلم ينهوا ، وهذا أولى وأحرى.