كأن «ذكر» خبر ك (كهيعص) ام «هذا» اما ذا؟ والأول أولى لذكر ما يصلح كونه المبتدء ، ويناسبه بعض التأويل ، فرحمة الكفاية والهداية واليد الولاية والعلم وصدق الوعد ، رحمات خمس إلهية لعبده زكريا ، وكلها رحمات ربانية لعباد الله المخلصين ، اما ذا من رحمات تذكر في هذه السورة لمريم (عليها السلام) واضرابها من المكرمين .. وقد يعني «عبده» الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ف «زكريا» إذا عطف بيان ل «رحمة» ف (كهيعص) و (إِذْ نادى رَبَّهُ) ، هي ذكر رحمة ربك زكريا لعبده محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) او المعنيان معنيان ، ف «عبده» يشملهما على البدل وهو أجمل.
ومن رحمته استجابة دعوة عبده (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) ـ (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) (٢١ : ٩٠).
والنداء هي الدعوة جهرا للمدعو مهما كانت خفية عن الآخرين وكما (نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢٦ : ١٠) و (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (٧٩ : ١٦) فلا تنافي «نداء» كونها «خفيا» كما الوحي الى موسى جلي لموسى وخفي عمن سواه ، ولا سيما بالواد المقدس إذ لم يكن معه أحد حتى أخيه هارون المشارك له في وحي النبوة أحيانا.
ومن آداب الدعاء كونها خفية : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (٧ :) ٥٥) ابتعادا عن الرئاء ، و (إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (٢٠ :) ٧) فلما ذا الجهر إذا وان لم تكن رئاء؟!.
وليس من لزام النداء العبد حتى توجّه نداء زكريا بتخيّل البعد عن ربه