تخضعا ، رغم ان الدعاء حالة القرب حتى للبعيدين عن ساحة القرب فضلا عن المقربين!
انه يناجي ربه بعيدا عن أسماع وعيون الناس ، إخلاصا لربه وكشفا عما يثقل كاهله وتجنبا عن مقالة هازئة : زكريا يطلب ولدا وقد اشتعل رأسه شيبا وكانت امرأته عاقرا ، يدعوه في سر مستسر وان كان ربه يسمع دون دعاء ويرى دون رئاء ولكنما المكروب يستريح الى الدعاء وقد أمره ربه بالدعاء : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) حيث الدعاء التماس والتجاء وهو مخ العبادة :
(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)(٤).
عرض متين من نبيّ أمين لشروط لاستجابة الدعاء ومقتضيات وعدم الموانع فيما لديه: «رب» دون «يا» لتكون اقرب لفظيا كما هو قريب معنويا فان «يا» لنداء البعيد! «اني وهو العظم مني» وإذا وهن العظم وهو المتن المكين فسائر البدن أو هن وسرعة الفناء إليه أهون (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) شعلة النور والبيضاء حتى لا تبقي سوادا ، فانه بتعبير ما ألطفه عن تكاثر الشيب في الرأس كأنه مشتعل يقهر بياضه وينصل سواده ، سرعة في تضاعف الشيب وتزايده وتلاحق مدده حتى يصير في الإسراع والانتشار كاشتعال النار ، يعجز مطفيه ويغلب متلافيه.
وترى الشيب من شروط استجابة الدعاء وقد يشيب الإنسان على الشقاء؟ (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) لم تسبق لي منذ التكليف لحد المشيب شقوة في دعائك : دعاءك إياي فيما امرتني ونهيت حيث أطعت دونما شقاء وعناء ، ودونما تعنت وكبرياء ، وهذا من اصول إجابة الدعاء (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٢ : ٤٠) فعهدي هو عهد العبودية