الخالصة : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٣٦ : ٦١) ومن عهدكم استجابة الدعاء (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (وَلَمْ أَكُنْ) فيما مضى «بدعائك» إياي وهو العهد الأول (رَبِّ شَقِيًّا) وعلى ضوءه ، ولم أكن بدعائي إياك وهو العهد الثاني (رَبِّ شَقِيًّا) فان دعاء الأشقياء لا تستجاب ، وإذ لم أكن شقيا بدعائك إياي لم أكن شقيا بدعائي إياك (١).
هذه سابقتي المشرقة في بعدين قبل المشيب ، أفبعد المشيب وانا أحرى بالاستجابة وأرحم أنت لا تستجيب؟.
ورغم «إني وهن العظم مني» فلا يهن العزم منك ، ومع أنه (اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) فرحمتك مشتعلة للشيب اكثر مما قبل المشيب ، فحالي الضعيفة وماضيّ من حالي إذ (لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) تقتضي رعاية حالي واستقبالي ، وكما لم أكن في حال بدعائك رب شقيا فلا تكن بدعائي ربّ إلا حفيا ، فقد عودتني الاستجابة في فتوتي وقوتي فما أحوجني في هرمي وكبرتي! ثم وليست هذه الاستجابة لصالحي شخصيا ، بل والحفاظ على مستقبل الرسالة وراثة الدعوة :
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً)(٥).
ليس لي ولد يرثني رضيّا ، وإني خفت من يليني من ورائي ان يصبحوا أخلافا متخلفين ، فلا يقوموا على تراث النبوة مالا وحالا ، تضييعا للمال في غير موضعه ، وتحويلا للحال الى غير حال.
__________________
(١) ف «دعائك» يعني المعنيين على الترتيب في الأدب اللفظي باضافة المصدر الى الفاعل كما في «عهدي» ثم اضافته الى المفعول كما في عهدكم ، وكما هو الترتيب المعنوي ان استجابة الدعاء من مخلفات استجابة العبد دعاء ربه وما الطفه جمعا لهما لفظيا ومعنويا.