المستمرة بين قوى الخير والايمان ، وقوى الشر والطغيان ، فالشر جامح مسلح ، وهو يبطش غير متحرج ، ويضرب غير متورع ، ويسانده كل الطاقات الشريرة داخلية وخارجية ، فلا بد ـ اذن ـ للايمان من قوة تدفعه من بطشه ، وتمنعه عن طيشه ، وقاية للايمان من فتنة الدوائر ، وحراسة له من الأشواك في كل المحاور.
وليست قوة الايمان في النفوس ـ فقط ـ لتكفي مكافأة ومكافاة ، فللصبر حد وللاحتمال أمد ، والله اعلم بما في النفوس من أصالة الضعف والطموس ، فلذلك يعدهم ـ إن قاموا بشرائط الايمان ـ أن يدافع عنهم قدر ما يدافعون ، وان ينصرهم كما ينصرون : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ).
ولقد صبر المؤمنون طيلة العهد المكي وقاية لكيانهم الجديد كيلا يهدر بددا ، لحد غلى مرجل اصطبارهم (١) فكان يطمئنهم الله انه هو ناصرهم وسوف ينصرهم ، والآن وقد حان حين الدفاع الجاهر في العهد المدني ، يجدد لهم وعد المدافعة ، ثم يأذن لهم في الدفاع لأوّل مرة ، وهم في استعداد لائق للقيام بشروطات الدفاع ، إذا ف :
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ٣٩.
__________________
(١) في المجمع كان المشركون يؤذون المسلمين لا يزال يجيء مشجوج ومضروب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويشكون ذلك اليه فيقول لهم : اصبروا فاني لم أؤمر بالقتال حتى هاجر فانزل الله هذه الآية بالمدنية وهي اولى آية نزلت في القتال.
وفي الدر المنثور ٤ : ٣٦٣ ـ اخرج جماعة عن ابن عباس قال : لما خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مكة قال ابو بكر اخرجوا نبيهم انا لله وانا اليه راجعون ليهلكن القوم فنزلت هذه الآية.