«لم يؤمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتال ولا اذن فيه حتى نزل جبرئيل بهذه الآية .. وقلده سيفا (١) فهي أول آية نزلت في الدفاع والقتال ، وكل حروب الإسلام مصبوغة بصبغة الدفاع مهما اختلفت صورها وظروفها وبواعثها ، حيث يجمعها (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) طيلة العهد المكي ، ومن ثم في العهد المدني ، (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) حين هم قلة قليلة ، ولكنهم وهم خارجون عن مكة ، قائمون على سوقهم في المدنية ، «اذن لهم» حينئذ بالدفاع ـ فعلا ـ دون الهجوم البدائي وان لم يظلموا بل حين ظلموا وقوتلوا.
ذلك هو الذي يبرّر خوضهم للمعركة حيث هم منتدبون لمهمة انسانية كبرى ، يعود خيرها إليها كلها ، ولا سيما الكتلة المؤمنة المظلومة بين الكتل ، ضمانا لحرية الأنفس والأعراض والعقائد والعبادات الإسلامية حيث ظلمت وأهينت في بداية عهدها ، مستمرة حتى الدفاع الصارم.
فليس الدفاع الإسلامي صراعا على عرض من اعراض هذه الأرض المتشجرة فيها الأطماع ، دفاعا وحربا توسّعيا لمكسب اكثر متعة في هذه الأدنى ، وإنما هي عرض الانسانية المؤمنة المظلوم في جو الظلامات.
هكذا (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) دفاعا إذا ظلموا وقوتلوا دون افراط المتوسعين المهاجمين ، ولا تفريط التنابلة الكسالى القاعدين اولي الضرر باسترخاء ، نظرة ان ينزل عليهم النصر والرخاء سهلا هينا بلا عناء ، لمجرد انهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويرتلون القرآن ترتيلا ، فانها على فرضها ورجاحتها لا تؤهلهم وحدها لحمل دعوة الله وحمايتها وحياطتها.
ذلك ، وقد ينمو الايمان في ثنايا المعركة وهي في سبيل الله ، كما ينمو
__________________
(١) مجمع البيان وروي عن الباقر (عليه السلام) انه قال : لم يؤمر.