والمعنيان معنيان في ظاهر التفسير وباطن الجري والتأويل ، تنديدا بمن يهلكون عطاشا وعندهم بئر ، ويسكنون بواء دون ظل وعندهم قصر مشيد ، فليهلكوا ـ إذا ـ بقريتهم (خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)!
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ٤٦
ويلهم! إن مصارع الغابرين أمامهم ماثلة ، وحيالهم شاخصة موحية ، تتحدث بالعبر ، ما بين مرئية بالبصر ومسموعة بالخبر ، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) سيرا تاريخيا وسيرا جغرافيا ، سيرا في ارض الحياة الغابرة والحاضرة ، ام ساروا دونما سمع ولا بصر من إيحاءات الأرض بآثارها من الصالحين والطالحين ، ليروا عواقب أولاء وهؤلاء هنا في الأولى ، فضلا عن الأخرى.
فالسير في الأرض تحرّيا عن نبهات واعتبارات يكون لمتحريها قلبا به يعقل ، واذنا به يسمع ، آيات آفاقية بين مسموعة ومبصرة ، تنضم إلى أخرى أنفسية ، فتكمل الحجة بما تتبين المحجة ، ارض معروضة للسامعين الذين يعقلون ، والعقلاء الذين يسمعون ، ارض التكوين ، وارض التدوين وأفضلها القرآن (١) فانه معاريض لكل غابر ومستقبل وحاضر ، وهو خير
__________________
ـ وقد قال الشاعر في ذلك :
بئر معطلة وقصر مشرف |
|
مثل لآل محمد متطرف |
فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى |
|
والبئر علمهم الذي لا ينزف |
(١) نور الثقلين ٣ : ٥٠٧ في كتاب الخصال وسئل الصادق عن قول الله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ..) قال : معناه او لم ينظروا في القرآن.