فهنا الموت وهو أعم من القتل ، وهناك القتل او الموت ، مما يدل على ألّا فارق بينهما ما هما مشتركان (فِي سَبِيلِ اللهِ) اللهم إلا تفارقا في درجات السبيل ، فقد يفضل قتيل على ميت او قتيل ، او ميت على ميت او قتيل (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
ذلك ترغيب عام هام بالنسبة للمهاجرة في سبيل الله ، ولان طبيعة الحال في حياة المهاجرة ان يتربص بها دوائر السوء ، يتلوه وعد النصر :
(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)(٦٠).
فهذه ضابطة عامة هي السماح في المعاقبة بالمثل في سبيل الله ، وأما المعاقب في غير سبيل الله فلا سماح له بالمثل إذا كان تأديبا ام ردّة فعل لما أخطأ ، اللهم إلا من ظلم.
فالمعاقب بالمثل إذا بغي عليه ، انه موعود بالنصر ، حيث عوقب في سبيل الله ، وعاقب بالمثل بإذن الله ، فاذن : (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
أترى ما هي الصلة بين وعد النصر لمن بغي عليه وبين عفو الله وغفره؟ علّه بمناسبة شأن النزول حين دافع سرية الرسول في الشهر الحرام عن أنفسهم فتحرجوا (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٣٦٩ ـ اخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في الآية قال : ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سرية في ليلتين بقيتا من المحرم فلقوا المشركين فقال المشركون بعضهم لبعض قاتلوا اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنهم يحرمون القتل في الشهر الحرام وان اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ناشدوهم وذكروهم بالله ان يعرضوا لقتالهم فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام الا من بدأهم وقاتلوهم فاستحل الصحابة قتالهم ونصرهم الله عليهم.