«بالحق» هنا قد تعني بسبب الوعد الحق ، او مصاحبة الحق الذي رفضوه ، او الحق الذي وعدوه ، والصيحة هي التي جعلتهم كالرميم ، حيث خلّفت الريح العقيم (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ. ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (٥١ : ٤٢).
والغثاء هي هشيم الأوراق : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (٥٤ : ٣١) فقد عاجلهم الله بهلاك الاستئصال فطاحوا كما يطيح الغثاء إذا سال به السيل الجارف ، حيث الغثاء ما حملت السيول في ممرها من أضغاث النبات وهشيمها ، فكأنهم هلكوا ولم يحس لهم اثر كما لا يحس اثر ما طاح به السيل من غثاء ، فجعلناهم كالغثاء الطافح في سرعة انجفاله وهوان فقدانه واضمحلاله (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ)؟
(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) ٤٢.
كثمود قوم صالح وسائر الفراعنة والنماردة المعرقلة لمسير الرسالات.
(ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) ٤٣.
فان اجل العذاب المهدّد محدّد بما يراه الله ، ف (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) المقدر لها ان يعجلها (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) تأجيلا لها ، فانها من الآجال المحتومة الأممية حين تستحق العذاب ولات حين مآب.
وهذه سنة الله الجارية في تاريخ الدعوات الرسالية ، كل قرن يستوفي اجله ويمضي غثاء:
(ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ٤٤.
«ثم» بعد نوح إلى موسى (أَرْسَلْنا رُسُلَنا) من ولي عزم كإبراهيم ام سواه كسواه (تَتْرا) تلو بعض البعض ولصق بعض ، متواترين في