سلسلة الرسالة والدعوة دونما انقطاع (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) دونما انقطاع ، وكأنهم تواصوا بينهم (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) في عذاب الاستئصال مهما اختلفت ألوانه وأطواره (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) إذ لم نبق منهم على اثر فلم تكن منهم من باقية الا «أحاديث» عنهم في صفحات التاريخ وألسنة الناس وبقيت العبرة ماثلة امام الناس في مصارعهم ، حيث محيت العيون وعفيت الآثار فلم تبق منهم الا الآثار (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) ـ (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)!
(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ ٤٥ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ)٤٦.
وهنا إرسال كسائر الرسالات بآيات كسائر الآيات وسلطة البرهان كسائر السلطات الرسالية ، مهما اختلفت في بنودها وقيودها ومظاهرها ، وانما يذكر هنا موسى بعد رسل تترى لأنه كان يحمل ولاية العزم في أعظم رسالة إلهية وأبعدها غورا ، وأعمقها طورا ، وأكثرها عراقيل ، وأشدها في مواجهة الأباطيل ، فكانت ـ إذا ـ قمة رسالية مرموقة ، كما ان آياتها بعد القرآن قمة منقطعة النظير.
«الى فرعون» رأس الزاوية الطاغية «وملائه» هوامش الضلالة «فاستكبروا» عن هذه الرسالة بصيغة مطردة بين المستكبرين المكذبين (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) في كافة القدرات الزمنية والمقدرات المادية ، وبطبيعة الحال كانوا مستعلين.
(فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ ٤٧ فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) ٤٨.
فصيغة التكذيب نفس الصيغة وهم كانوا مؤمنين لبشر مثلهم وهم له