وقد تعنيها الآية (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١٧ : ٣٦) وان كان ترتيبها غير ترتيبها ، فالسمع هو هدى ، والبصر كتاب منير ، والفؤاد هو العلم المتفئد في القلب.
«ثاني عفطه» حال انه يثني ويكسر عطفه ، ليّا بشدقه وعنقه ، كبرا متعجرفا ، واعراضا ونأيا بجانبه ، اعراضا عن سماع الرشد واتباع الحق ، يصرف دونه بصره وينثي عنه عطفه وعنقه بكل رعونة ودلال ، رغم انه ليس الا في ضلال ، مخيلا اليه كأنه يملك ما يعوضه الحق ، فهو ـ إذا ـ أحق من كل حق ، (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : يجادل .. ليضل ، وثاني عطفه ليضل ، قرنا لإعراض الحال بإعراض المقال ، ليحق الباطل والضلال بحال بعد مقال ، وذلك أوقع في الإضلال ، ان المجادل في الله بغير حجة ، يثنى عطفه متظاهرا انه يملك الحق كله ، بل هو الحق كلّه ، وسواه باطل كله! «وليس احد أشد عقابا ممن لبس قميص النسك بالدعوى بلا حقيقة ولا معنى» (١).
(لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) معنويا أمام دعاة الحق واهله ، وأمام اصحاب العقول في كل الحقول ، وخزي بعذاب الاستئصال والمعيشة الضنك رغم كل دلال (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) كما احرقوا هنا عقول الناس بحريق الجهل والتجاهل جزاء وفاقا ، ويقال له حينذاك :
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) يد الروح والجسم ، يد الجدال بغير علم وثني العف ، يد العقل المدخول ، والنفس الامارة بالسوء ، وقد تعني «يداك» كافة الطاقات التي كان يملكها ، سلبية وايجابية. (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
__________________
(١) مصباح الشريعة عن الإمام الصادق (عليه السلام).