أترى ان الحق يطوّر الإنسان من تراب إلى نطفة وإلى اكتماله ليبلغ أشده في هذه الأدنى ، وما هو ببالغها تماما سعيا ونتيجة قضية العرقلات والزحامات ، ثم لا يطوّره بعد موته إلى حياة ارقى ليبلغ أشده بمبلغ ما بلغها في الدنيا ، حين (يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى)؟.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ٩ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ١٠.
مقابلة (بِغَيْرِ عِلْمٍ) ب (وَلا هُدىً وَلا ..) تدلنا ان القصد منه هو العلم الذاتي ، عقليا او فطريا او سواهما ، فلتعن «هدى» العلم المكتسب من مكسب الحق اليقين تلقينا ، ثم (كِتابٍ مُنِيرٍ) هو كل كتاب ينير الدرب على كل متحر للحق ، وطبعا هو كتاب الوحي.
والمجادلة في الله ـ إذا صحت وسلمت ـ لا تخرج عن هذه الثلاث ، بعلم هو حجة الحق وأفضله الوحي المكمل لعلم الفطرة والوحي ، ام هدى من اصحاب الوحي مشافهة حاضرة ، ام بالأخير (كِتابٍ مُنِيرٍ) فيه العلم والهدى ، وهذه تشرك في انها حجة الحق دون ريب ، وقد عبر عنها في آية مضت ب «علم» وحقا هو التعبير الصالح عن كل حجة صارمة ، وهي كل ما يفيد علما ، دون ان يعارضه ما ينقضه او ينقصه ، وقد تتفارقان ان الاولى بشأن المقلّدين لمكان «يتبع» والثانية بشأن المقلّدين لمكان «ليضل» بعدها كفاية لأصحابها.
وذلك ترتيب رتيب في الحجة بدء بالعلم ، ففيه الكفاية لمن يعلم ، ثم هدى لمن ليس له علم فيهتدي بعلم غيره ، ومن ثم (كِتابٍ مُنِيرٍ) فيه كل علم ذاتي ومستفاد.