ذلك بالرغم من ان العقيدة الصالحة هي الركيزة الثابتة الدائبة في حياة المؤمن ، يدأب في تكميلها ، ويعبد الله بحبها قدر المستطاع كالأصل القمة أو الوحيد في حياته ، تضطرب الدنيا وأهلوها من حوله وهو ثابت لا تزعزعه أو تتجاذبه الأحداث ، وتتهاوى حوله الأسناد وهو مستند في كل ذلك إلى قاعدة الايمان القائمة على أية حال.
ليس الايمان والعبادة هنا له رأس مال يتجربهما لمتعة الحياة الدنيا ، فلا يعبد الله نظرة جزاء في هذه الأدنى ، مهما كان ناظرا إلى الاخرى ، بل هي هنا في ذاتها جزاء فانها الحمى الذي يلجأ اليه ولا يفجع لديه (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)!
أليس ذلك جزاء انه الثابت المطمئن في مهب الرياح ، ومن دونه من تتجاذبهم الرياح ، وتتقاذفهم الأرباح ، وهو كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ، ثابت الصلة بالله راضيا بمرضات الله؟.
والعبادة على حرف هي بصيغة اخرى عبادة التعابد ، يعبد ربه إذا عبده وأطاعه ربّه في هواه ، كأنه يقول في ذلك الحرف : أعبدك حين تعبدني ، ولا أعبدك حين لا تعبدني ، تجارة فاجرة في العبادة ، وهي في الحق عبادة الهوى ، المتظاهرة بالهدى ، وهي انحس من تركها ، حيث التارك لها كافر ، والعامل لها على حرف منافق أشر من كافر.
ان اصابة الخير الرخاء والفتنة البلاء عند العبادة كلتاهما فتنة وبلاء (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) بل الفتنة في الرخاء افتن وابلى منها في البلاء ، فكيف عبر هنا عن فتنة الرخاء بالخير واختص التعبير بالفتنة للبلاء؟
ذلك ، لأن من هذه عبادته لا يرى الخير بلاء إذ لا يثقل على طبعه ، والبلاء في مقياس الأغفال هو ما يثقل على الطبع ، والمنافق لا يرى الخير الا ملائم طبعه وموصل شهوته.