الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) كما (كانَ يَظُنُّ) تشير بمضيه البعيد إلى ذلك الظن البعيد البعيد ، ثم رأوه بعد الهجرة منصورا معززا ـ والسورة مدنية ـ اخذتهم الغيظة الخانقة لما لمسوا الواقع المدني خلاف ظنهم المحيل لنصرته ، فهنا الله يحملّهم كيدا لقطع تلك النصرة العظيمة كما هو دأبهم الدائب ، ومن قبل حاوله فرعون وأضرابه (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى).
(فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) فان رسول السماء منتصر من سماء الربوبية ، بجند من السماء ووحي من السماء ورزق من السماء (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) هذه النصرة عن الرسول ، ام (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) تلك المسافة إلى الملإ الأعلى ، ولكي يقطع هناك سبب النصرة الإلهية لرسول السماء (١).
«فلينظر» إذا (هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) هذا المستحيل «ما يغيظ» من تلك النصرة الإلهية؟!
إذا ف (لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) تعم الرسول المظنون فيه ، والظان ، كلّا لحدّه ، ولفظ الآية تحتملهما ، والآيات السابقة عليها تلائمهما ، والقرآن حمال ذو وجوه فاحملوه إلى احسن الوجوه ، وهما من ذلك الأحسن ، استنباطا ـ دون أي تحميل ـ من نفس الآية بجوّها ، مهما كان خنقه من الصالح ضمن المعنيين ، فالقطع هنا قطع نفسه بخنقه (٢).
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٣٤٧ ـ اخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال : من كان يظن ان لن ينصر الله نبيه ويكابد هذا الأمر ليقطعه عنه فليقطع ذلك من أصله من حيث يأتيه فان أصله في السماء ثم ليقطع اي عن النبي الوحي الذي يأتيه من الله ان قدر.
(٢) الدر المنثور ٤ : ٣٤٦ ـ اخرج بعدة طرق عن ابن عباس في الآية قال : من كان يظن ان لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب قال فليربط حبلا الى السماء قال : الى سماء بيته السقف ثم ليقطع قال : ثم يختنق به حتى يموت.