و «كلما» هنا تحلّق على كل زمن العذاب دون كل الزمن حتى يدل على لا نهائية في العذاب ، فالخروج عن العذاب ما دام استحقاق العذاب للآبدين فيه ممنوع ، ولا ينافيه فناء النار بمن في النار فانه ليس خروجا عن النار وهي باقية.
فالنار ـ إذا ـ تعمهم وتغمهم دون خروج عنها للدائمين فيها ما دامت هي مشتعلة ، ولا خروج عنها او عن غمها كما لا تخفيف ، وانما عذاب قدر استحقاق ، قضية العدل والتسوية بين عصيان محدود وعذاب محدود.
ويقال لهم عند ردهم إليها (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) هنا كما أذقتموه من اضللتموه هناك جزاء وفاقا ، عذابا فوق العذاب.
ثم نرى ضفة الايمان كيف تزفّ بحلية من لباس وطيب من القول :
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ ٢٣ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) ٢٤.
فأين الثياب المقطوعة من حرير من مقطوعة النار ، واين التحلية من أساور الدستوار الذهبية زينة للأيدي ، من حميم مصبوب فوق رؤسهم ومقامع من حديد ، واين الهدي الى الطيب من القول تحية وسلاما وإكراما من الرد إلى النار للمغتمين فيها والقول (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).
هنا (يُحَلَّوْنَ فِيها .. وَلِباسُهُمْ فِيها) يلمحان بحلّيتهما لهم! فقط ـ فيها دون الاولى ، وقد تظافر الحديث عن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم): من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» (١) وبالطبع
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٣٥ ـ اخرج البخاري ومسلم عن عمر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ