لذلك ترى آية الأذان تطلق «رجالا» ثم تقيّد (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) ب (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) وطبعا لا يركب الضامر إلّا من يحتاج إلى ركوبه لعمق فجه أم ضمور قوته.
فالأصل في أذان الحج هم «رجالا» وهم ـ في الأكثر ـ الذين يأتون من كل فج قريب ، ثم (عَلى كُلِّ ضامِرٍ) وهم ـ في الأكثر ـ الآتون من كل فج بعيد ، ومن ثم على كل مركوب مستطاع ، قويا في جسمه ، سريعا في مشيه ، حيوانا ام سفينة ام سيارة ام طائرة.
وقد يتعاكس الأمر ، فمن ساكن في فج قريب لا يستطيع المشي فهو ـ إذا ـ غير مستطيع دون راحلة ، وآية الاستطاعة لا تشترط إلّا اصل الاستطاعة ، بزاد وراحلة ام دون زاد وراحلة ، راحلة ضامرة ام عامرة ، وقد استفاضت السنة في افضلية الحج ماشيا على الركوب لمن يستطيعه وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):: ان الملائكة لتصافح ركاب الحجاج وتعتنق المشاة» (١) وذلك خاص بطبيعة الحال بمن لا يحشره امر أهم كالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث القيادة الرسالية لا تسمح له ان يصرف شطرا بعيدا من أوقاته في أداء ندب كالحج ماشيا واما الائمة الذين حجوا مشاة لمرات ومرات فلم يكونوا بمنصب القيادة الحاضرة حيث اغتصب عنهم.
وعلى اية حال فهنا في تقديم «رجالا» دليل تفضيل الحج ماشيا ، وتفضيل المشاة الذين لا يملكون راحلة ضامرة ، ثم تفضيل الركب الضامرة على الركب العامرة ، مما يوضح تماما ان ليست الاستطاعة بادية من المال على اية حال ، فليس المستطيعون هم الأغنياء بالركب الفاخرة ، بل هم غير مذكورين في عديد المستطيعين حتى في المرحلة الآخرة ، لولا آية الاستطاعة
__________________
(١) الدر المنثور : ٤ : ٣٥٥ ـ اخرج البيهقي عن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ...