وعلى الجملة (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) معرفيا وقوليا وعمليا واذاعة بين الجماهير (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) إذا فمن لم يعظم شعائر الله فانها من طغوى القلوب.
ولماذا سميت (شَعائِرَ اللهِ) بما سميت؟ انها جمع شعيرة وهي ما يدرك بلطف ودقة من اصل الشعر لدقته ـ وكما الشعور هو دقة الإدراك والشعار هو الثوب الرقيق الذي يلبس تحت الثياب ، ملاصقا للشعر وكما الشعر دقة في الإدراك ـ والعلامات المعنية المقررة لقوم من المحاربين مستسرة ، فالأصل في كل صيغها الدقة واللطافة ، وهكذا يكون شعائر الحج ومشاعره حيث تدرك أسرارها بدقة التفكير ، مناسك لها معاني ومرامي دقيقة لا يدركها الا أهلوها ، ويرفضها او يهينها البسطاء في المعرفة والايمان.
هذه المناسك الشعائر كلها اعمال ، وهي بحسب الظاهر بين سلبية كالوقوفين وايجابية كالطوافين ، اعمال رقيقة المعاني ودقيقة المرامي ، كما الألفاظ الغامضة ، والمشتبهة المعاني ، ولكنها حكيمة الدلالة ومحكمة المدلول لمن يتعرف إلى الدلالة والمدلول.
هذه الشعائر ، رغم لطافتها وغموضة المعني فيها ، هي اذاعات عالمية اسلامية ، تعريفا بالإسلام الجماهيري الحركي ، اشعارا إلى ضرورة تأسيس دولة اسلامية وحيدة ، فان مملكة الحج نموذجة بارعة تحضّر لها حضورها ، وكما هي رحمة وبركة وهدى للعالمين.
وهذان بعدان بعيدان لهذه المناسك الشعائر ، ليسا في سائر الفرائض والطقوس الاسلامية بهذه الصورة الرائعة والجمعية البارعة ، اللهم الا شذرات بينها هنا وهنا لك وهناك.
فالحج بكل مناسكه ـ إذا أقيمت كما رسمت ـ هو مدرسة سيارة تجعل من الحاج إنسانا كاملا محتلّلا عن كافة الوصمات فردية جماعية ، متحليا