فكما الجنة والرحمة هما البعد الثاني لاهلهما لزاما لهما عطاء من ربك جزاء وفاقا ، وكما النار هي البعد الثاني لأهلها جزاء حسابا يوم الاخرى ، كذلك الامانة المعروضة على الكون كله هي البعد الثاني في الاولى ، المتبني حياة الاخرى الى سجين ام الى عليين!
«انا» في جمعية الصفات لا الذات وسبحانه «عرضنا» كذلك الأمر «الامانة» : مطلق التكليف لا التكليف المطلق الخاص بذوي العقول ، فسائر الكون مكلف بمعداته ان يعيش سائرا إلى ما خلق لأجله ، امام الخالق مسبحا وأمام الخلق عدلا سائرا (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) دون رد وبأداء كما حمّلن ، فان حمل الامانة مطلقا دون أداء خيانة لها مطلقا ، وفي أداء غير سليم خيانة نسبية ، فأبين ان يخونها وكل يعمل كما حمّل (وَأَشْفَقْنَ مِنْها) خوفا خليطا بتعظيم ، خوفا من الله وتعظيما لجلال الله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١٣ : ١٥) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٢٢ : ١٨).
فهناك في الكون كلّه تسبيح وسجود لله والكل مسخر بأمره (... وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٧ : ٥٤) (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ) (١٦ : ٧٩) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ...) (٢٤ : ٤١). هؤلاء وهؤلاء من حيوان ونبات وجماد (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً).
أترى بعد ان في حمل الامانة تحملا لها ظلما وجهلا حتى يؤنب قبيل