فغيرهم حين لا يرون (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ..) ليس الا قصورا في العلم إذ لم يؤتوا ، فهم ـ إذا ـ لا حجة عليهم حين يكفرون ، كما لا حجة لهم حين يؤمنون ، فلا قيمة لايمانهم دون علم ولا سئوال عن كفرهم دون علم!
(أُوتُوا الْعِلْمَ) ليست إلّا وسيلة للتفتح الى ذلك الكتاب الخالد المفتوح بمصارعه للاجيال طول الزمان وعرض المكان ، وللعلم درجات عدة يرى صاحبه (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) حسب درجاته ومحاولاته ، فقد يكون من علماء الكتاب عارفا بالبشارات المودوعة في كتابات الوحي بحق القرآن ونبيه ثم يجحد متجاهلا قاحلا!.
وقد يكون من جهال المشركين ، فلانه يحاول الحصول على الحق المرام يتحراه فيجد بغيته في ذلك الكتاب لأنه مسرح فصيح بليغ فسيح عن تجوال آيات الله البينات ، والله يشهد بكلامه لحقه!
ف ـ (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) هم بوجه عام كافة المكلفين غير القصرّ والمجانين ، مهما كان اهل الكتاب وعلمائهم ، وسائر اهل العلم أقوى حجة من غيرهم تدليلا على حق القرآن ، ولكنه لا يمانع اصل التكليف بحجة العلم ، واقله علم الفطرة ـ مهما كان أصله ـ ثم العقل ثم علم الكتاب تقليديا ثم باجتهاد وكذا سائر العلوم البشرية ، والجامع بينها كلها معرفة الله ، فالعارف ربه يعرف كلامه قدر ما عرفه.
فما من عاقل يفتح عينه الى هذه الآيات البينات ، ام أذنه وسمعه لسماعها ، متدبرا فيها ، إلّا وسوف يحصل على علم : (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) فانه أفضل الآيات واخلد المعجزات (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ...) مهما كان الأوفر علما هو اوقر ثقلا حيث الحجة عنده اكثر ، فنكرانه لحق القرآن أنكى وأنكر.