ليس «ما تعملون» هو نفس العمل أيا كان فإنه مخيّر لا مسيّر ، وإنما هو حاصل العمل «ما تنحتون» وكل صنعة ، فان مادته مخلوقة ، وأنتم بقدراتكم وأفعالكم مخلوقون ، مهما بان خلق عن خلق تخييرا وتسييرا ، ف ـ «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» ولو كان «ما تعملون» نفس العمل لكان جبرا فعذرا لعمل الأصنام وعبادتها ، لا حجة عليهم في تنديد! ثم خلق الأعمال تسييرا من الله لا رباط له إبطالا ل ـ (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) وإنما هو التخيير ، فهم باختيارهم ينحتون ويعبدون ما ينحتون!.
هنالك دحضت مزاعمهم ، وزيّفت آمالهم ، فلم يجدوا بدا وجاه حجته إلّا أن يحرقوه كما أحرق أكبادهم :
(قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ)(٩٨).
(قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ. قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ. وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ. وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٢١ : ٧١).
فيا لبنيانهم الجحيم وجحيم البنيان من أجيج النار ، تتمثل فيه حرقة أكبادهم ، فقد كان لأحدهم أن يحرقه بقليل النار ، ولكنهم أجمعوا ليتشاركوا في حرقه كما أحرق أكبادهم جميعا ، ولكنهم خاب سعيهم حيث جعلوا الأسفلين الأخسرين ، وتلمّع إبراهيم الخليل أكثر مما كان حجة عملية على حججه ، كما عارضوه عمليا رغم حججه! وأين يذهب كيد العباد المهازيل أمام صيانة الله للخليل إلّا إلى أنفسهم في كل ترذيل بكل سفالة وخسار (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ)!