ويستوحشون من أهله ، فبالطبع لا يسمعون إلّا ما هم من أهله ، فيأخذونه حجة على الحق وأهله!
وهذه طريقة مكرورة ماكرة في الأجواء الطاغوتية ، حيث يصرف فيها الطغاة جماهيرهم الأذيال عن الاهتمام بصالحهم العقائدي والبحث وراء الحقيقة المنشودة ، حيث اشتغال الجماهير بمعرفة الحقائق خطر عليهم ، إذ يكشف أباطيلهم وأضاليلهم ، فيصعب بذلك استحمارهم.
وقد تلمح (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) بأنهم كأنهم استضعفوا أمام داعية الحق ، فلينطلقوا عنهم خلاصا عن أسرهم بأسرهم ، وصبرا على آلهتهم المظلومين المهاجمين (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) بهم من مسّ لكرامتهم!
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ)(٨).
وإذا كان الذكر ينزل على بشر مثلنا ، فكيف أنزل عليه الذكر من بيننا ونحن أولى به منه ، وليس ذلك العجاب لأنهم عرفوا الذكر ثم شكوا فيمن أنزل عليه (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) إذ ما عرفوه ، ولذلك أنكروه ، وإذا عرفوه فهم قد (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) حتى يثوبوا ولات حين مناص!.
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ)(٩).
لذلك فلهم الخيرة في نزول الرحمة على من يشاءون ، دون ربك ، (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) (١٧ : ١٠٠) (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٤٣ : ٣٢).