حاجيات العالمين الى درجات من الهدى ، و (رَبُّنا يَعْلَمُ) دون سواه يعلم ما هي الحكمة في اختصاص بعض الناس بالرسالة دون بعض ، ف (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٦ : ١٢٤) كما (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢٢ : ٧٥).
ف (رَبُّنا يَعْلَمُ ...) هدم لصرح الاستحالة في رسالة البشر وإنزال الوحي عليه ، ثم تبنّ لصرح الرسالة بآياتها الذاتية المشاهدة في المرسلين ، ومن ثم آيات منفصلة تؤيدها والله من وراء القصد.
هذان شرطان أصيلان يتبنّيان الرسالة الإلهية : أن يحملوا معالم التربية الإلهية الرسالية ، وأن يبلغوها البلاغ المبين : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٢٤ : ٥٤).
هناك اندحضت حجة الناكرين فتحوّلوا إلى هراء في عراء عن شاكلة الحجة وإن بصورتها ، قوله ناكبة ماردة لكل عاجز عن الحجة ، حاجز عن المحجة ، حيث تتهددهم بالرجم :
(قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٨).
التطيّر هو التشام ، فلما نكب أهل القرية في جواب الرسل عن تكذيبهم توصلوا إلى شطحات القيلات : (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) والتهديد بأشد العذاب : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) وسائر العذاب : (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) وهكذا يسفر الباطل عن غشمه ، ويطلق على الهداة تهديده وعربدته في التعبير والتفكير.
(قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)(١٩).
ليس طائركم منا بل هو معكم ، حيث تواجهون الناصحين بكل شؤم