فالتوفي في معنى جامع لهذه الثلاث هو الأخذ وافيا ، مهما كان المأخوذ هو الإنسان بروحه وجسمه كما في المسيح (عليه السلام) أم بروحه ككل كما في الإماتة (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) (٤ : ١٥) والموت لا يميت ، أم بروحه بعضا كما في الإنامة ، فإيفاء الأخذ في كلّ بحسبه ، إيفاء للمأخوذ كونا وكيانا ، أجرا وجزاء ، دونما إبقاء هنا أو هناك ، وكذلك الله يتوفى حين يتوفى وبعده ، إيفاء دون إبقاء.
والأنفس هنا ليست هي الأرواح بالأجساد ، مهما كان المجموع نفسا ، كما كل نفس ، اللهم إلّا توفيا لهما بعد توفي الانفصال ، فإنهما معا في حفظ الله دون أن يضل منهما شيء : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ .. قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (٣٢ : ١١) فلولا تعني توفي الجسم مع الروح لما كانت إجابة عن إشكال : (ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) إذ يعنون ضلال البدن بأجزائه.
فهنالك عند الإماتة توفّيان متداخلان ف (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) إذ يفصل الروح بكامله عن البدن ، ويحفظهما بكاملهما عن الضياع والضلال ، وقد لا تعني آية التوفي هذه إلّا الأول ، ولا سيما أن النوم ايضا هنا توف ولا يؤخذ فيه الجسم.
إذا فالأنفس في توفي الإماتة هي الأرواح بكاملها دون إبقاء ، من إنسانية وحيوانية ونباتية ، فهي تموت بذلك التوفي (حِينَ مَوْتِها) ولا يعني موتها فوتها ، وإنما انفصالها عن أجسادها وبطلان تصرفاتها فيها ، وإلّا فهي أحيى مما كانت في الحياة الدنيا ، كما أن موت البدن ـ وهو ميت في نفسه ـ يعني انفصال الحياة عنه وبطلان انصرافه بتصرفات الروح ، وأين موت من موت؟
النفس تذوق الموت لانفصال ولا تموت (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (٣ : ١٨٥) فما موتها هنا وفي أمثالها : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ