هنالك ثلاثية التوفي ، من الله للرعيل الأعلى ، ومن ملك الموت بإذن الله لمن يتلونهم الخاصة ، ومن سائر الملائكة بدرجاتهم لسائر الناس بدرجاتهم أو دركاتهم ، وإن كان الله هو المتوفي فيها كلها!
ترى وكيف يصح هذا التقسيم وآية ملك الموت تخاطب ناكري البعث : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ... قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ...)؟ ولكنه يعني التوفي بوسيط وليس إلّا تحت رئاسة ملك الموت بأعوانه الملائكة الآخرين (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) او (... ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) فإنهما تفسران توفي ملك الموت أن ليس كله بيده دون وسيط ، وكما تفسران مع سائر الآيات (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) أن ليس كل توفيه دون وسيط.
إذا فالمتوفي لأطيب الطيبين هو الله ، وللخصوص منهم بعدهم هو ملك الموت ، ولسائر الطيبين سائر ملائكة الموت ، وللظالمين أنفسهم أدنى الملائكة مهما كانوا كلهم معصومين ف (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢٢ : ٧٥).
ثم ما هو التوفي ، والأنفس المتوفاة هنا؟
ليس التوفي هو الإمامة نفسها ، بل هو أعم منها حيث هنا يطلق على الإماتة : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) وفي أخرى على أخذ الروح والجسم دون إماتة ولا إنامة عن هذه الكرة الأرضية إلى غيرها : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) (٣ : ٥٥) مع العلم أن المسيح حي يرزق حتى الآن : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (٤ : ١٥٩) وحتى الآن ما آمن به المسيحيون كلهم فضلا عن أهل الكتاب كلهم ، فليكن حيا حتى الآن.