الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ ...) (١٠ : ٥٤) فلا تنافي بين مثلث الآيات : (ما فِي الْأَرْضِ) (... وَمِثْلَهُ مَعَهُ) و (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) حيث الكل أمثال عن كثرة الفداء.
ثم هنا استحالة في قبول الفداء من بعدين ، ف «لو» تحيل أن يكون لهم ما في الأرض ، (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) تحيل قبول أي فداء منهم مهما كان أطول الأضلاع في مثلّثه ، هول ملفوف في ثنايا التعبير الرهيب لا حول عنه بأية فداء وإن في صورها المستحيلة وحتى (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ. وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) (٧٠ : ١٤).
ومع رد الفداء ـ لو كان ـ وبعده (بَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) من حق المبدء والمعاد ووحيه الرابط بين المبدء والمعاد ، فلم يكونوا يحتسبون ذلك المستقبل العتيد الشديد ، والاحتساب حكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله ، وهو خلاف الحساب فإنه افتعال من الحساب ، وتكلّف كاذب يناقض الحساب ، وقد كانوا يحتسبون أن الحياة هي الدنيا ، فلم يكونوا يحتسبون أن بعدها أخرى هي أحرى قضية الحساب.
ثم ومن ثم (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) بعد ما كانوا عنها غافلين عمين : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).
يوم الدنيا كانت سيئاتهم في احتسابهم حسنات ، أم ما كانت سيئات إذ (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) ثم في يوم الحساب يكشف الغطاء عما عملوا (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)