إذ كانوا يستهزئون بالعذاب الحساب ، فنزل بهم ما كانوا يحتسبون! مربع من ركام العذاب دون تفلّت عنه ولا تلفّت.
(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ)(٥١).
هذه طبيعة الإنسان وسجيّته ، نسيان الله وذكر من سواه ، فإذا مسّه ضرّ ولما يحلّ به ـ حيث المس ذريعة الحلول ـ هناك «دعانا» أن نكشف الضر عنه (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) : (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ)(٨) و (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ)!.
فرغم أن (نِعْمَةً مِنَّا) هي مخوّلة غير مملّكة ، فهي عطية مؤقتة فتنة (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) وهي «منا» لا منه ، لا ذاتا ولا استحقاقا ، بالرغم من كل ذلك (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) حاصرا هذه العطية الربانية أنها آتية «على علم» مني وخبرة واستحقاق (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
أكثر المنعمين لا يعلمون أن نعم الله فتنة وكما أن نقمه فتنة (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ. كَلَّا ...) (٨٩ : ١٦).
ومن ثم قليل منهم يعلمون أنها فتنة ، أترى أنهم المؤمنون حقا فلا يغترون بنعمة ، ولا ييأسون بنقمة ، فهما لهم أمام الله على حدّ سواء ، فهم راضون بمرضاة الله؟ وهناك من يعلم أنها فتنة ولكنه يفتن بها! ومنهم قلة قليلة يعلمون ولا يفتنون ، ثم و «لا يعلمون» في الأكثر ليس إلّا جهل