وليس هذا التقدير استجاشة للبطالة والعطالة ، وتجميدا للطاقات البشرية ، فإنما أمر بين أمرين ، فلا أن بسط الرزق وقدره رهينان ـ فقط ـ لسعى الإنسان أو هموله ، ولا أن الله يبسط الرزق ويقدر كفوضى جزاف تعمية للمساعي وهو القائل (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
إنما عليك أن تسعى قدر الحاجة والاستطاعة ، دون تحتيم على ربك أنه رازقك قدر سعيك ، أو يقتر عليك إن لم تسع قدر حاجتك وطاقتك ، فإنما عليك السعي وعلى الله التكلان في منتوجات السعي.
سعة الرزق هي حصيلة معدات ليست كلها بيدك ، فقد يعدها لك ربك إن رآه صالحا لك أو في كل النظام ، أم لا يعدها لخلوه عن صالح هنا أو هناك ، ثم يسع الرزق لمن سعى دونك حيث يعدّ له معداته الخارجة عن سعيه ، إذا فهو الذي يبسط وهو الذي يقدر ، رغم واقع المساعي بمختلف درجاتها ، إذا فعليك الحركة قدر المستطاع وعلى الله البركة كما يشاء ، زائدة على سعيك أم ناقصة عنه ، فإن لم تسع اتكالا على رازقك فما لك إلّا ما لغير الساعين من جوع أم بلغة الحياة أماذا؟
وفي تخلف المسببات عن أسبابها المعدة لها دليل صارم لأمر دله أن في الغيب مسبّبا للأسباب ليس لينتظم في خيرتنا تحت الأسباب ، إلها واحدا يسبب الأسباب أم يبترها عن كونها أسبابا ، وهو الذي (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) رغم ظواهر الأسباب ، تنظيما للكون كأصلح ما يكون ، وتدليلا أن هنا مكونا واحدا قديرا عليما فوق الأسباب ، خفيا وراء الأسباب.
(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى